السبت، 19 أبريل 2014

24 لون لقوس قزح





أهلا وسهلا! يا مراحب! توحشناكِ والله!
 في الواقع- الواقع الذي نهرب منه دائما ولا أعرف إذا ما كنا جميعا نكرهه فلماذا نحب استخدام  تعبير "في الواقع" بالأساس! – ولكن في الواقع على أي حال إن وصف الحالة إياها بـ"اللامبالاه" هو إعادة لكلام مُعاد إعادات مُعادة. أين الإبداع يا بشر؟! لامبالاه هنا ولامبالاه هناك! لامبالاه في كل مكان! الكل يتحدث عن اللامبالاه. أنتم تصيبوني بالملل! ومع هذا أرجو ألا تأخذ ما أكتبه بجدية. وأرجو ألا تحملني مسئولية أن يوافق ما أكتبه أهواءك وأن يقابل إبداعي توقعاتك. فقط دعني أعلن عن وجودي بالكتابة ودعني أحتمي بمساحتي من الحاضر والآتي. ودعني أصيبك بالملل قليلا أيضا. عل مللك يكون دافع للكتابة وأكون ساعتها عملت فيك جميلة.

 في الواقع - مرة ثانية -  محظوظون أولئك اللذين يمتلكون القدرة على الكتابة. ولكنك بالطبع تعرف أنهم تعساء في نواحٍ أخرى. فهم -على سبيل المثال لا الحصر- يغبطون من يمتلكون القدرة على الانخراط في الواقع دون الاضطرار لِللجوء إلى عالمٍ موازٍ. العالم الموازي يا صديقي! العالم الموازي فيه حياة لرافضي القبح والحالمين بالجمال. ولكنه في النهاية عالم مواز يقبع بين ثنايا المخ  ويشغل عدة سنتيمترات دماغية ولكنه لا يشغل إن شالله متر مكعب واحد من هذه الأرض الكروية.  

  ومادام أخذتنا الكتابة في سككها - التي لا تضح ملامحها إلا في النهاية - للحديث عن العالمِ الموازِ وما يتعلق به فليكن كذلك. ويعلم الله أنّي عندما وضعت يداي على لوحة المفاتيح هذه لم يكن لدي أي فكرة عما سأكتبه. ولم يكن لدي فكره عما إذا كنت سأكتب هذه المرة أصلا أم كنت سآخذ نزهة في دهاليز عقلي لأعود بخفي حنين بعدما ذهبت مع وجداني إلى الشعور بالإنجاز والرضا عن النفس والراحة الذي ينتج عن الكتابة لأجدني لم أكتب ثلاث كلمات متوافقات بعد أن انتظرت طويلا كالمصاب بإمساك فكري. عذرا لم أجد تشبيها أبلغ من هذا في هذه اللحظة. ماشي. الله يقرفني يا سيدي! ويصبرك على ما سأكتب.
 
 فلتعلم أن وحدة الكلمات هذه التي تقرأها الآن لم تكن بالشكل نفسه الذي تبدو عليه قبل ساعات. فقد شَرّحت ما قد كتبته بمشرط حاد، وفتحت أحشاء النص، واستئصلت ورم التشوه منه. وقمت بقص مالا يلزم، وبوصل خامة الكلمات السابقة بقماش من لونها حتى تتبختر وتُعجَب بنفسها أمام مرآة الكتابة. كل شيء قابل للهدم ولكني لست متأكدة تماما ما إذا كان قابل لإعادة بناءه. 

 أعد لي الأرض كي أستريح فعقلي مشوش حد التعب. لا آمرك - لا سمح الله - ولكني أطلب يد العون والمساعدة. فالأفكار تورطني في عراك لا حول لي فيه ولا قوة، وتنهك عقلي بضجيجها وصخبها. أضع سماعات الرأس وأرفع درجة صوت الموسيقى. فيقابل تشويش الموسيقى على هذه الأفكار تشويش الأفكار على عقلي فيتصارع التشويش القادم من الخارج مع التشويش القابع بالداخل حتى تتسبب قوة صراعهما في قطع الأسلاك التي تحمل التيار التشويشي إلى الخلايا العقلية المسكينة فيأتي من مكان غير معلوم ليفض اشتباكهما ويفرض حضوره صمتٌ جسورٌ فيسود للحظة تبدو أبدية. 






     





                  أدخل بقدمك اليمنى. أنت الآن في العالمِ الموازِ. 
 






 التعايش. التعايش الغبي! أنا في العالمِ الموازِ لأني غير قادرة على التعايش. أفضل شخصيات الكتب على شخصيات الواقع. وأفضل الروايات على كتب السير الذاتية. وأفضل قراءة قصائد الشعر خارج دواوينها. ولم أقتنع قط بفكرة قراءة ديوان شعري هكذا في أسبوع أو أسبوعين. أنت تفتح الديوان لتقرأ قصيدة بعينها لتشعر بحالة بعينها، أو لتجد العزاء بين أبياتها عن عجزك عن التعبير عن حالتك. وتغلق الديوان ولم تزل به قصائد لم تقرأها وإن قرأتها لن تعود لها لأنها ربما تكون مُحاكة لغيرك، أو لأنها لا تشبهك بما يكفي.


 ورغم أني فوق العشرين بقليل لازلت أفضل مشاهدة قناة سبيس تون، وأي كرتون مادام بعيدا عن كرة القدم وصراع القوى. وأفضل مشاهدة سبونج بوب سكوير بانتس على مشاهدة الأفلام المصرية. "حلاوة روح" يا هيفاء؟ ماذا تقول من تتحلى فعلا بحلاوة الروح عن نفسها؟ حلاوة طحينية بالمكسرات؟! وأفضل الصمت على الكلام. وأفضل الفيسبوك على الواتس آب تجنبا للشخصيات الواقعية الاستفزازية التي تقتحم خصوصية قرارك بفتح الواي فاي أو غلقه وقتما تريد أنت. وصدق صاحب التوك توك عندما زيّن ظهر توك توكه بتاتو "مات الكلام يا صاحبي". فلا جدوى من تعكير صفو الملاذ الآخير بتوضيحه لمن لا يقدر أهميته.



في العالمِ الموازِ يمكنك أن تنسى قليلا بشأن علامات الإستفهام. فسيلهيك هذا العالم عن لهو الأسئلة بك. وستتوقف عن سؤال نفسك دون انتظار إجابة على أسئلة من قبيل لماذا ولدت في المدينة التي ولدت فيها تحديدا؟ وماذا كان سيحدث لو أنك ولدت في بلد آخر؟ ماذا كنت ستفعل لو كنت ألمانياً؟ هل كنت ستعربد في الملهى الليلي في نهاية الأسبوع مثل الإنجليز لو كنت ولدت في المملكة المتحدة؟ ماذا كان سيحدث لو فعلت ما خفت من الإقدام على فعله ؟ وماذا كان سيحدث لو لم تفعل ما فعلته؟ لماذا لا توجد حياة على كوكب آخر؟ ما فائدة كواكب المجموعة الشمسية إذا؟ هل ستكون من أهل الجنة؟ لماذا تشرق الشمس على الظالم والأقرب للعدل على حد السواء؟ أكل البشر يستحقون التمتع بجمال الشمس؟ ومن أنا لأقرر؟! هل نأخذ فعلا ما نستحق؟  هل يُعاقب شخص بذنب قطيع من الجُهال؟ هل الأمل الذي يأتي ويذهب سيأتي مرة أخرى؟ هل؟ ماذا؟ لماذا؟ أين؟


  لا بأس . أنت آمن الآن . لقد تركت أسئلتك على عتبة باب العالم الموازِ. ولكن على ما يبدو قد التصق بك سؤالان لأنك لم تمسح قدميك جيدا قبل الدخول. ستتعلم مع ترددك عليه أن تخلع حذائك بشكل كامل لتلامس قدماك أرضيته الرخامية الباردة، أو الباركيه، أو السيراميك المزرقش، أو المفروشة برمل البحر. لا توجد ثوابت هنا ولا يوجد إجبار. كما تفضل أيها الزائر، أنت من يختار. أنت حي وحر في خيالك. فلتختار بنفسك لنفسك ألوان الحوائط وطرازها، أو فلتلغي الحوائط برمتها من الأساس.  ولتجلس على الأغصان البنية للأشجار الخضراء ، ولتداعب قدماك ذرات الهواء النقية، أو فلتبني لنفسك بيتا معلقا في الهواء دون شيئا يدعمه سوى جناحيه، ولتطير به، ولتجوب الدنيا التي صنعها عقلك. وتذكر أثناء تصميمك لعالمك أنه ليس هناك سقف. عالمك مفتوح على سماء زرقاء صافيه بحق وحقيقي لا تشبه سماء القاهرة في شيء. وأن هناك مطر لا ينتج عنه طين، بل ينتج عنه قوس قزح بأربعة وعشرين لون. وأن هناك دائما أرض تثبت عليها وقتما تحتاجها، وتدهس بقدماك واقعك بأسئلته عليها، وترقص رغم الوجع على جثته.