أفتح حقيبة يدي لألتقط المرآه المرمية بإهمال في أحد أركان الحقيبة لألقي نظرة سريعة على ما يظهر للناس مني. تبدو المرآه قديمة و قد تخربشت رسومات غطائها المعدني، وأصبح زجاجها منطفأ. ما فائدة المرآه إذا بهت زجاجها؟ لذلك تركت مقعدي وسرت نحو سلة المهملات في آخر القاعة وهمت يدي بالقائها، لكنى توقفت مذهولة من حقيقة أنني لازلت أحتفظ بالمرآه ذاتها منذ سبع سنوات! منذ سبع سنوات وهي في حقيبة يدي أينما ذهبت. كيف لي أن أتخلص من انعكاس صورتي في أول مرآه أبتاعها لنفسي وأنا لازلت مراهقة تسحب من حقيبة مدرستها المرآه الجديدة لتتأمل وجهها تحت الدكة؟! نسيت بعض من ابتساماتي بذاكرة هذه المرآه. وبعض من الدموع التى تساقطت عليها ولازال أثرها حاضر. لا أدري لماذا كنت أضع المرآه أمامي وأنا أبكي! كنت أبكي أكثر عندما أراني أبكي. أبكي مرة بسبب ما لم تسطع نفسي تحمله، ومره لأني لا أستحق البكاء لكن يجري من عيني نهر من الدموع على أية حال.
كانت أمى ترفع صوتها في غضب وأنا صغيرة قائلة "لا تنظرىي فى المرآه كثيرا حتى لا يصيبك الجنون". وترد عليها جدتي "دعيها تدرك جمالها". أبكي وتأخذني جدتي بعيدا عن أمي وتجلسني كلعبة على ركبتيها وتمسح على رأسي وتردد وهى تقبلنى أني خُلقت للعب وللضحك. وتُخرج مرآه لا أدري من أين وتمسك بها أمام وجهي وتتدغدني حتى أضحك، وتطلب مني أن أنظر جيدا إلى مرآتها وتنظر هي بعينيها إلى انعكاس عيناي وتخبرني بأن أحتفظ بهذه الضحكة قدر ما أستطعت. ونسيت أن تحذرني من مرآة الحب العمياء. ليتك هنا يا جدتي لأسئلك أين تلك المرآه؟ هل تخلصتي منها مع ملابسي الصغيرة؟ أم لازالت في مكان ما في بيتك الدنيوي مدفونة مع ما قصصته لي من شعري؟
قالت لي المراية
تغيرتي عليي
كبرتي متل الحكاية
وشفناكي صبية
تاري البنت مخباية
مخباية بالمراية
ولما قال لها يازغيرة
تحليتي وصرتي كبيرة
صارت تبكي الحلواية
وتضحك تضحك المراية
وأنا في طريقي إلى أن أكبر سألتني أمي ذات مرة "ماذا ترين في المرآه؟" أنثى تسعى للكمال كان جوابي. وجاء ردها بأن تلك الساعية للكمال ستدمرني يوما. لم أعد أسعى للكمال يا أمي. ليس لأنني خائفة من أن أٌدمر لكن لأنني وجدت الجمال في النقص وتقبله. أما عن التدمير فأنا أعتقد أن رأسي كفيل بإصابتي بسكون تام يلحقه سكون أبدي. وحتى تلك اللحظة سأظل أتسائل ما الفائدة؟ ما فائدة المرآه إن كان ما يعني حقا هو جمال الروح؟ ما فائدة جمال الروح إن لم تعلن عن نفسها بموسيقى أو برسمة أو بكتاب؟ ما فائدة الكتابة إن لم يقرأ أحد؟ ما فائدة احتفاظي بالمرآه سوى انها محاولة للتمسك بزجاجها المحبوس بداخله سبع سنوات من عمري.