الاثنين، 26 ديسمبر 2016

The Withholder, the Shielder, the Defender

Maybe Allah doesn’t open a certain heart for you because He knows you will not find a single trace of love that is worthy of yours. Do not be sad. He is protecting your fragile vessel of heart from a wound you do not need.
“Allaah intends for you ease, and He does not want to make things difficult for you” Holy Quraan, Baqarah, 2:185

الثلاثاء، 30 أغسطس 2016

لا يعلم أحد ما بداخل مريم


في إحدى صباحات أغسطس الصاخبة تجرمريم قدميها جرا لتنزل درج البناية التي تسكن بها. تدرك أنها متأخرة عن موعد بدء محاضراتها لكن يحملها جسدها الهزيل وتقرر الذهاب على أية حال. الوصول متأخرا أو مبكرا لم يعد يشكل فارقا لديها لأنها أصبحت فاقدة للشعور بالوقت. حركتها رتيبة كحركة إنسان آلي يمشي في شوارع متكدسة بالبشر كأنهم أمواج بحر متتالية ومتتابعة.  يزيحونها من طريقهم  إلى أقصى يمين الطريق تارة، وأخرى يكادون أن يدهسوها في المنتصف بينهم، و ينحونها جانبا أقصى اليسار تارة أخرى، يتناوبون على إزاحتها من طريقهم ويقتلعونها بضجر من الأماكن التي تسير قدماها فيها. 

يحركها قدماها المكبلتان اللذان يحفظان الطريق إلى الجامعة  بشكل آلي، في حين يبقى نصف جسدها العلوي مخدرا. رأسها ثقيل كصخرة، وقلبها مثقوب كثقب السماء الأسود الذي لا يستطيع الضوء النفاذ منه، وعينها كعين الدمى تنظر ولا ترى ، وأذنها كأذن الثَمِل تسمع ولا تنصت، وشفاهها مخيطة، ولسانها كلسان الأخرس عاجز عن الكلام. تسير وتسير في أنفاق عقلها المظلمة ولا ترى إلا سوادا، وتسبح في أعماق قلبها الذي لونه الحزن بالأزرق الداكن ولا تشعر إلا بالفراغ الكائن وراء هذا الثقب الذي يزداد اتساعا حتى يتآكل قلبها تآكلا. يجذبها ثقل رأسها للأسفل فتزداد حركتها تلعثما وتزداد حدة المارة في إزاحتها من طريقهم، لكنها لا تقاوم لأنها لم تعد تبالِ. أصبحت مريم فاقدة الحس لا تشعر.

تستمر الناس أفواجا وأفواجا في حركتها السريعة، وتتابع عقارب الساعة حركتها المتكررة، وتزداد الشمس حدة، ويأتي إلى هذه الحياة أطفالا أكثر لا يعلم مصيرهم إلا الله، وتتسع القبور لجثث هامدة جديدة، ويشتد الأزرق بداخل مريم دكانة، وتسيطرعلى عقلها الظلمة، وتزحف حالة النَمَل إلى جميع أنحاء جسدها حتى تصل إلى قدميها. تتيبس قدماها ويتوقفان عن الحركة. تسقط مريم على جانب الطريق ولا يلاحظها أحد. ماتت مريم ولا يعلم أحد ما بداخلها. 


الثلاثاء، 26 يناير 2016

الأشياءُ الجميلةُ






تَــحـدُثُ لَنَــا الأشْيــاءُ الجَـمِـيــلةُ فَـقَـط عِنــدما نَــتَــحـلَّى بالشَــجَـاعَـةِ.

.Beautiful things happen to us only when we are courageous

الأحد، 17 يناير 2016

العنفُ ضدَّ الرجل


 


 في عصرِ يومٍ من أيامِ شتاءِ القاهرةِ الدافيِء تودعُ "هالة" صديقاتَها على بابِ الجامعةِ وتتركهم متجهة صوب  محطة مترو الأنفاق القريبة. تضعُ حقيبة يدها على السير الالكتروني، وتمر من البوابة لتلتقطها من الناحية الأخرى. تبتاع تذكرة من الشباك وتمشي على عجل نحو ماكينة العبور. تنزل مسرعة على درجات السلم الكهربائي لتلحق بالمترو الذي تعلن الصفارات قدومه. ما كانت إلا بضع ثوان من انتظارها حتى تُفتَح أبوابه وتصعد هالة إلى العربة، و تمشي نحو ثلاث فتيات واقفات بالداخل لتقف هي الأخرى بجانبهم وظهرها ملتصق بالباب الخلفي وعينها مصوبة نحو باب النزول. ويبدأ المترو في مغادرة المحطة.

  لا يُسمع صوت داخل عربة المترو إلا صوت حركة سيره على القضبان. لا بكاء أطفال هنا، ولا صراخ. يمسك الركاب الجالسون هواتفهم الذكية ويتفقدون صفحاتهم الشخصية على فيسـبوك، ويراقبون أصدقائهم لإشباع فضولهم بمعرفة آخر أخبارهم، ويرسلون ضحكات كثيرة متتالية في رسائل نصية عبر واتسـاب رغم أن شبح الابتسامة لم يمر أمام شفاههم الحقيقية، ويسمعون الموسيقى وهم ينظرون إلى الفراغ. أما أولئك الذين يخجلون من إظهار هواتفهم المتواضعة ويقررون الاحتفاظ بها في جيوبهم فيطيلون النظر إلى لوحة المحطات المعلقة بالأعلى، أو يفضلون السرحان في وجوه الركاب الآخرين، أو يتشاركون النظر إلى الفراغ مع سامعي الموسيقى. 

 يقترب رجل في الأربعين من عمره من الفتيات الواقفات بالقرب من الباب الخلفي ويمحص النظر فيهن، ويتفقدهن من رؤوسهن التي يغطينها بحجاب إلى أقدامهن المختبئة في الحذاء. يحدُّ المترو من سرعته في حركة مفاجئة، ولا تسمح هزة المترو السريعة للرجل إلا بأن يثقل بجسده على جسد إحداهن. ينظر إليها بلا مبالاة وعدم اكتراث، لكن نظراتها المستنكرة تجبره على أخذ خطوتين للخلف. تتأهب هالة ولكنها لا تتكلم، ولا يتكلم هو، ولا يتكلم أحد. فاتت بعض المحطات وتظن الفتاة أنه لا يقصد، ويظن أنها استكانت، كما يظن رجل آخر في أواخر عقده الثالث الشيء نفسه. يقترب الثلاثيني - الذي يظن بالفتاة الاستكانة - هذه المرة ببطء عن عمد، ويَحْتَك مع سبق الإصرار والترصد بجسد هالة.

تُحكم هالة قبضتها على يد الثلاثيني الآثمة وتركله بركبتها ركلة تطرحه أرضا. تسقطه ضربتها ليس لأنها بنت قوية البنية الجسدية فحسب، لكن لأن ضربتها جائت مباغتة مفاجئة له وللجميع. فلا يتوقع هذا المعتدِ أن تمتلك بنت يرى فيها الاستكانة والصمت شجاعة ركل رجل أطول وأقوى منها. تتجه انظار الركاب نحوهما، ويتعالى صوت أحدهم مستفسرا عما فعل "الرجل" ليستحق هذه الضربة، لكن هالة لا تجيب. لم تعد تحكي، فليس ذنبها أن الناس لهم أعين ترى ولا تبصر. فكَم حكت قبل هذه اللحظة عما تعرضت له من رجال معتدين طالبة الإنصاف والنصرة، ولم تجد إلا خذلانا مرا. 

  يتعالى صوت راكب أخر ناعتا إياها بسوء الخلق ليس لشيء سوى أنها تركب في عربة "الرجال" كما يسميها. والآن ماذا تفعل هالة تجاه الجهل أيضا؟! تقرر الرد واستخدام صوتها وكلماتها هذه المرة قائلة" إن هذه العربة مختلطة، وليست حكرا على الرجال. وتواجدي في هذه العربة المختلطة لا يعطي الحق لك بإهانتي، كما لا يعطي الحق لأحد بأن يعتدي عليّ." ولا تجد منه ردا إلا الإمعان في سبَها وشتمها! استعدت لتذهب إليه لضربه هو الأخر، لكن تمنعها إحدى الفتيات الواقفات بجوارها، وهمست لها بأن تكتفي بهذا الذي يتلوى من الألم أرضا. ينظر الركاب إلى ثلاثتهم نظرة الذين يشاهدون عرضا مسرحيا لا يمكن أن يكونوا أبطالا فيه. يعودون بعد بضع دقائق إلى وضعهم السابق، ويسود الصمت العربة مرة أخرى.

 تغادر هالة العربة في محطتها وتكمل طريقها إلى تمرينها الرياضي حيث تتعلم أساليب قتالية للدفاع عن نفسها. لم يكن أمامها خيارا سوى رد الاعتداء عن نفسها بنفسها. ففي كل مرة استخدمت الصوت والكلمات للدفاع عن نفسها أو عن فتاة في موقفها لم تجد سوى حفنة من المتفرجين، ووجه متبجح من المعتدين. فترجع إلى بيتها وتجلس منطوية مع الشعور بقلة الحيلة والعجز. بئس الشعور العجز! ذلك الشعور الذي زرع بذور الميل للعنف بداخلها رغما عنها حيث لم تعد تفكر سوى في كيفية كسر يد من يتجرأ ويعتدي على جسدها. 

 كلما وقف ضعف جسدها عائقا أمام إحدى التدريبات الرياضية تَمثُل نصب عينيها مشاهد تتمنى لو يرجع بها الوقت وتدافع فيها عن نفسها. فصارت تستمد قوتها الحالية من ضعفها السابق، وشجاعتها المتنامية من خوف متناقص، وعُنفَها المُوجّه اليوم من عنف قد وُجِّه لها أمس. قد تكون هالة اليوم حالة واحدة، لكن استمرار هذه التعديات قد يولد هالات جديدة، وحينها سيكون قد بدأ زمن العنف ضد الرجل. 




الثلاثاء، 5 يناير 2016

7 أسباب لمتابعة الإعلانات التايلاندية

في بداية 2016 حابة إن أول تدوينة ليا في السنة الجديدة تكون عن الإعلانات، الإعلانات التايلاندية على وجه الخصوص. ليه التايلاندية؟ لأنها الأفضل بالنسبالي لأسباب عدة أذكر منها إنها:

1.  مبنية على قصص درامية إنسانية بالدرجة الأولى، وغالبا ما بتكون قائمة على علاقة الأب ببنته، أو الإبنة بوالدتها، أو الأخت بأختها، أو صاحب محل بأحد المشردين أو المتسولين. ومعظم الإعلانات بيكون لها climax قوية، أو تصاعد قوي للأحداث.


2. بتعتمد على الوصول لقلب الـ target audience مش عينيه. بتعامل المتفرج على إنه إنسان أولا ثم مستهلك ثانيا. وحتى لو مش هتشتري المنتج ولا هتشترك في الخدمة المعلن عنها الإعلان هيكون وصل لقلبك ووصلك حاجة حلوة.


3. الاعلانات التايلاندية بعيدة عن ربط تحقيق السعادة بالحصول على المنتج، يعني بعيدة عن فكرة اشتري اكتر عشان تتبسط أكتر، أو هات شقة في مدينة جديدة عشان حياتك تكون سعيدة، أو انك لو مكلتش في المطعم الفلاني فمتعرفنيش تاني.


4. بتأثر فيا، وأنا أعزّ الحاجة اللي تأثر فيا.


اتأثروا شوية مع الإعلان دا لشركة تأمين على الحياة: 



  

حوشوا حبة دموع للإعلان دا كمان - إعلان شركة لخدمات الهواتف المحمولة:  


الثلاثاء، 14 يوليو 2015

عيد عجوز

مصدر الصورة


يوقظها من نومها ألم في ظهرها عصر اليوم السابع والعشرين من رمضان، فتنهض ببطء بعد أن فر النوم بعيدا عن عينيها  العجوزتين. تمسك بأسفل عمودها الفقاري، ويمناها تضغط بوهن على فخذها آملة أن يتوقف ألمها. تغادر سريرها، وتمشي على مهل منحنية الظهر ولا زالت تدعم ظهرها بيدها. تمر بجوار مرآة حجرتها دون أن ترفع ظهرها لتلقي نظرة عليها، لكنها تنظر برؤية ضبابية مباشرة  إلى أدراج طاولة زينتها. يد تمسك برف الطاولة العلوي، وتمتد الأخرى لفتح أحد الأدراج حيث بعض مستحضرات التجميل. تمد أصابعها لتلتقط مرآة صغيرة للغاية قد وضعتها أمس منكبة على وجهها في الدرج الأول، وتنظر إلى ما أخرجت من الدرج في صمت. 

 تترك يسراها ظهرها لتمسك بالمرآة المذهبة ، ولترفعها أمام وجهها، وتقربها من عينيها لترسمهما بالكحل الأسود. تمسك المكحلة بيد مرتعشة، فتترك على ثنايا جفونها المجعدة رطوشا قصيرة متباعدة. ورغم أنها تنزل ذراعيها لتريحمها بعد كل خط معوج ترسمه، يزداد ارتعاش المكحلة بين أصابعها أثناء رسم عينها الأخرى. وتمتليء أيضا ثنايا خطوط الزمن تحت عينيها بالكحل دون قصد منها، فتكتفي بما وضعته، فتضع المكحلة جانبا، وتسحب أحمر الشفاه الذي تجد صعوبة في شد غطاءه، فتتركه دوما عاريا. تلفُّه لتسحبه للأعلى قليلا وتسحب به على خديها، وتوزعه بأصابع يدها على بشرتها بنية النمش.


  لا يتبقى أمامها سوى أدوات أخرى تخرجها من درجها ولا تستخدمها. ماذا عسى الناس أن يقولوا إذا رأوها تلون شفاهها بسائل أحمر؟! ثم أنه لم يتبق لها في عينيها سوى خمسة أو ستة رموش على الأكثر، فلماذا الماسكارا؟!  تأخذهما وتعيدهما إلى الدرج بجوارطلاء الأظافر، لكنها تبقي على أحمر الشفاه والمرآة معها. هذه المرآة المعدنية المذهبة جد صغيرة، ولا يمكن لها إلا أن تعكس جزء واحدا فقط من أجزاء الوجه في الطلة الواحدة. وهذا يروقها كثيرا، فهي ليست مضطرة لرؤية وجهها كاملا دفعة واحدة. وتبقي بذلك في ذهنها على الصورة التي تعرفها عن ملامحه الشابة التي لا تجدها إذا ما نظرت.


 تترك المرآة من يدها، وتنهض لتفتح ضلفتي خزانتها وتأخذ تنظر إلى ما فيهما. ترى فساتينها القصيرة التي كانت ترتديها وهي لا تزال بنت الثامنة عشرة. وتنظر إلى تنوراتها المزركشة، وقمصانها الشيفونية التي لا زالت تحفظها، وتنظفها، وترتديها بخيلاء في المنزل وهي تدلك قدميها بمراهم الروماتويد. تختار من بين ملابسها بنطلونا جينز وبلوزة حمراء لتلبسهما، ومن فوقهما عباءة سوداء قاتمة استعدادا لمغادرة بيتها بعد المغرب. وتغطي ما تبقى من شعرها الرمادي بطرحة تكشف عن خصلات قد طالتها الحناء يوما. وتضع في حقيبة يدها عطر خليجي، وعلكة، وفوطة صحية، وأحمر الشفاه، ودواء القلب، والضغط، والبخاخة جنبا إلى جنب. وتتركهم هناك حتى يحين موعد خروجها.


  تمشي متمهلة حتى تصل للمذياع، وتوصل سلكه بالمكبس الكهربائي، فيأتي صوت ترتيل قرآن المغرب، ومن بعده ينطلق مدفع الإفطار.
عندما تسمع تكبيرة الأذان معلنة عن انتهاء يوم الصيام ترتشف رشفة واحدة من حسائها الساخن الذي قد اعدته أمس، ثم تقلبه بمعلقتها شاردة، ثم تكمل باقيه زاهدة فيه. تمرر منديلا مبللا على شفتيها الجافتين بعد أن أنهت بالكاد نصفه. وتنهض لتأخد حقيبة يدها، وتكاد أن تنسى مفتاح بيتها في الباب، لكنها سرعان ما تأخذه وترميه بداخل حقيبتها، وتتذكر أن ليس لها من أحد تستنجد به حال ما نسيته. تغلق الباب ورائها وتمشي بخطى بطيئة نحو المصعد الكهربائي ثم إلى الشارع حيث تريد أن توقف سيارة أجرة. 

  بالرغم من أن بعض سائقي سيارات الأجرة ينتقون زبائنهن ليكن شابات جميلات تخفف وجوههن عليهم عناء الزحام، يهديء أحدهم بسيارته ليعرف وجهتها. وعندما يجدها تريد الذهاب للمركز التجاري القريب في الحي الذي تسكنه يهز رأسه رافضا ببعض من الإحراج.  لم تعد تشير إلى السيارات، فقد علمت أنه من سيجد في قلبه بعض من الشفقة على عجوز مثلها من أن تظل واقفة سيتوقف أمامها بسيارته. لا تزال الشوارع خالية من المارة في ساعة كهذه، فتجد نفسها وحيدة تماما- باستثناء سائق السيارة- حتى تنزل منها أمام باب المركز.

  تنفتح الأبواب الزجاجية في حركة روتينية لتدخل العجوز، وتنظر يمينا ويسارا لتجد المحال مازالت مظلمة، ولم يعد أصحابها للعمل بعد. تريح جسدها بالجلوس على رخامة باردة على بعد يمكنها من رؤية حارس الأمن الشاب الذي يتناول إفطاره وهو يستمع لشيء ما على هاتفه المحمول. لعله يستمع إلى مسلسل إذاعي حيث لا يبدو عليه أي انفعال مع الموسيقى. ترى من خلال نظارتها الطبية أنه شابا ريفيا وسيما في منتصف العشرينات، إلا أنه يفتقر لحس الأناقة فيما يتعلق بارتداء ملابسه. تتركه يكمل إفطاره في سلام من نظراتها التي لم يلاحظها، وتنتقل إلى أخر.

 عاد مرة أخرى ليفتح متجره. يمسك بزجاجة عصير يتناولها دفعة واحدة أثناء مشيه نحو الباب. يدفعه بيمناه، وينير المكان. يلاحظ وجودها فينظر إليها نظرة واحدة قصيرة لكنها كفيلة بأن تخبرها بأنها أقبح إمرأة في هذا الحي. ويتعجب لما هي هنا في ساعة كهذه. بنات العشرين لم يأتين بعد حتى تأتي تلك الشمطاء! تنقل ناظرها مسرعة بعيدا عنه إلى حقيبتها، وتتحسس بيدها مرآتها بالداخل، لكنها لا تخرجها. تظل تنظر إلى الأرض الرخامية ولا ترفع عينيها إلاعندما تسمع ضحكات مجموعة من الفتيات الشابات يدخلن إلى المركز تزامنا مع إعادة فتح  الكثير من المتاجر.

 تترك المقعد الرخامي وتتبع السبعة فتيات الجميلات إلى متجر الملابس. تقف بالقرب من بابه وتتفقد بعض البلوزات بلا أكمام وهي تتسلل النظر إليهن. لا تظهر تحت أعينهن أكياسا منتفخة. ولا يوجد على جوانب أعينهم خطوط رفيعة متكررة. وتظهر بشرتهن كبشرة ثمرة الخوخ ناعمة تميل للحمرة، وليست كجلد التفاحة الذابلة التي على وشك أن تموت.تراهن يجربن بعض الفساتين عليهن وهن يضحكن ويلتقطن الصور. تنظر إليهن بحنين
لم تستطع أن تخفيه إلى ماض بعيد. وبالرغم من أنهن يعجبهن الكثير من المعروض في هذا المتجر، يجدن أسعاره باهظة. فيتركنه وينتقلن في خفة إلى المتجر المجاور وهي خلفهن.

 يلقين نظرات على نافذات العرض الزجاجية، وهي لا تزال تتفقدهن، ولا يرى سواها نظرات الإعجاب التي يرسلها الشباب المار بجوارهن إليهن، إلا أنهن لا يلاحظن قط، حيث أنهن منهمكات في الاستمتاع بصحبة بعضهن البعض، وباختيار ملابس العيد.  لو كان الأمر لها، لو كان الأمر بيديها لقايضتهن عملاتها الأجنبية في حسابها البنكي ومجوهراتها مقابل سنة واحدة ترجع لها فيها بشرة الخوخ تلك، أو شهرا واحدا تختفي فيه تجاعيد عينيها، أو أسبوعا واحدا تمشي فيه دون أن يكون ظهرها منحنيا، أو يوما واحدا يحق لها فيه أن تزين شفتيها ورموشها. لم يعد الأمر أمرها الآن. ولا تملك لنفسها إلا أن تعيش ذكرياتها مرة أخرى برؤية الفتيات تلك.

 يتخذن السلم الكهربائي للأدوار العلوية بحثا عن متجر يناسب ميزانيتهن. يتوقفن بين الحين عند متاجر الحقائب والأحذية، وتشير كل واحدة منهن إلى الأخرى إلى الحقيبة التي ستبتاعها إذا فاض شيئا بعد ابتياع الملابس. يعلمن جيدا أنه لن يتبقى شيئا، لكنهن يحببن استعراض أذواقهن. ولما لا يفصحن عن آرائهن، ويدافعن عن اختياراتهن مادمن شابات جميلات. النقد الوحيد الذي يمكن أن تتلقاه إحداهن من الأخرى "أن تلك الحقيبة تبدو كبيرة جدا على عمرك". تتمنى العجوز لو أن يوجه إليها أحدهم النقد نفسه، لكنها تظل مجرد أمنية.

ترى إحداهن انعكاسا لنفسها في النافذة الزجاجية، فتذكرهن أنهن بحاجة لزيارة دورة المياة. يدخلن إلى دورة المياة ويتزاحمن على المرآة الضخمة المعلقة على الحائط، ويجددن كلهن أحمر شفاههن على مرأى من العجوز التى  ترى صورهن في المرآة متحاشية النظر إلى نفسها. يخرجن متجهات إلى متجر أخر يجدن فيه ضالتهن المنشودة. تبتاع إحداهن تنورة وبلوزة، وأخرى تبتاع فستانا، والأخريات يبتعن سراويلا وقمصانا. يستلمن حقائب الملابس الجديدة في بهجة، وتراقبهن العجوز في أسى.

 يخرجن من المركز وهن يغنين أغاني استقبال العيد، وتجد العجوز صعوبة في مواكبة خطواتهن فتوقف سيارة أجرة أخرى وتطلب من السائق السير وراء الفتيات حتى يتفرقن ويعدن إلى بيوتهن. وتعود هي الأخرى إلى بيتها، وتخلع عبائتها وتظل بالبنطال والبلوزة. وتدندن أغنيات العيد بصوت حزين جالسة على سريرها حتى يزور النوم جفونها، فيخفت صوتها، وتستسلم للنوم، وتغلق أجفانها على صورة لها في رمضان من ثلاثين عاما.   
   

الأربعاء، 25 فبراير 2015

صباحات نحيا بها ومن أجلها




تستيقظ بابتسامة مرسومة على شفتيها في الدقيقة الخامسة والأربعين بعد الخامسة على صوت منبه هاتفها المحمول. توقف تشغيله وتنفض عن نفسها النوم والغطاء. تُنزِل قدميها لتتلمس موضع نعليها وهي تعبث بسعادة بأطراف شعرها البني. تتأمل وجهها الحسن في مرآة الحمام وهي تُعيد في ذاكرتها الأغنية التي غناها لها حبيب قلبها ليلة أمس قبل النوم، وتتذكر ما تلاه عليها من أبيات الشعر العربي البليغة، والكلمات التي أسمعها لها والتي تشبه الدندنات الموسيقية في سحرها، وتكرر على قلبها صوته وهو يتمنى لها أحلاما هانئة. 

لا يقطع حبل الذكريات الحديثة ذاك إلا سماعها صوت تنبيه الرسائل على هاتفها، فتجري نحوه لتقرأ رسالته. بماذا سيخبرها هذا الصباح يا ترى؟ أمقطع من إحدى أغنياتهما المفضلة؟ أم دعوة قلبية بأن يحفظها الله له؟ أم يرسل لها اليوم كلمات من وحي قلبه هو؟ تفتح رسالته بشغف وتجده يخبرها بإنه يمتلك العالم طالما هي معه، ويخبرها بإنه يحبها جدا وجدا وجدا. تحتضن هاتفها، وتضع قبلة على شاشته، وتكتب له ردا. رسائله الصباحية تلك تجعلها تشعر بأنها تريد أن تحتضن العالم كله، ليس هاتفها وحسب. تُشعرها بأنها ملكة هذا الصباح المتوجة، وبأن على هذه الأرض أشياء لا تزال تستحق الحياة.

 تمد أصابعها لتلتقط قطع ملابسها واحدة تلو الآخرى بحنو بالغ، وتسمع صوته مغازلا أناملها الرقيقة وأظافرها اللوزية. تعرف ما سيقوله عندما ترتدي ثيابها قطعة قطعة إلا أنها ترغب في سماعه مرات ومرات للأبد. يشرح لها  كم حالف الحظ تلك الثياب لتشم رائحتها عن قرب، وكم محظوظ هذا الهاتف الذي تلمسه عشرات المرات في اليوم الواحد، ويغبط كل ما حولها من جمادات، وكل من يراها من بشر. تضحك هي ضحكة تنير الكون بأكمله وتصغي لدقات قلبه، وتسمع ما سينطق به قبل أن يفعل. يوصيها بأن تتناول فطورها، وبأن تأكل جيدا. ويذكرها بشرب قهوتها الصباحية التي قد كان ابتاعها لها. ويخبرها بأنه مشتاق ليوم يفتح به عيناه ليجدها بجواره، ولأن يحضر لها قهوتها بنفسه في الصباحات. أجمل الليال تلك التي تنام فيها على صوته الحانِ، وأجمل الصباحات تلك التي تستقبلها باتصاله. 


تلقي نظرة أخيرة على مظهرها في المرآة وتأخذ حقيبة يدها التي لا تخلو من كحل وأحمر شفاه، وتطأ قدماها شوارع المدينة ذاهبة إلى عملها. تعرف أنه يوم شاق، لكن هذا اليوم بدأ بصوته فلا يهم ما سيحدث على مدار ساعاته. رغم أنها لا يمكنها أن تمسك بذراعه كطفلة صغيرة تتعلق بيد والدها، ورغم أنه ليس معها في هذا الحيز المكاني، هي على يقين أنه هنا. تسمع تعليقاته في رأسها كأنه واقفا بجانب كتفها الأيسر، ترى نظرات عينيه المحبة لها، وتشعر بحضوره يحميها. فتستقبل الزحام بسعة صدر، ولا تعبس في وجه السائلين. تبتسم في وجه الأطفال، وتشكر كل من يسدي لها معروفا. تصطحب أشعة الشمس معها حتى وإن اشتد برد الشتاء. تدفيء قلب من تحادثه، وتحمله روحها على حب الحياة. ليس كل من يقع في الحب يقع! هناك من يُخرج الحب منه أجمل ما فيه. وصباح كهذا الصباح لأجل عيونه كان يستحق منا أن نتحمل كل الأشياء السيئة التي حدثت دون أن نتبرم ونشتكي. 

عندما تعبر الشارع تجده يتأملها من مسافة ليست بعيدة. يتأمل كل حركاتها بانبهار الأب الذي يرى طفلته تسير وحدها لأول مرة. يتأملها في شغف. لا يحرك رقبته بعيدا عن اتجاها، بل لا يحرك عينيه بعيدا عنها. يسير نحوها دون أن ينظر حوله. يتعثر أثناء مشيه ويكاد أن يقع. يقف مكانه وينظر إليها ويقول بصوت تسمعه :"ماذا تراني أفعل؟! أنتِ السبب! أنتِ ساحرةٌ!" تخفض نظرها إلى الأرض وتبتسم في خجل وتكمل سيرها وقلبها طرب. ترسل نظرة خاطفة ورائها فتجده حولها يخبرها بأنه في انتظارها حتى تعود. يطمئن قلبها فتسير بتأنِ وتكمل طريقها إلى عملها. صباح بمثل جمال الصباحات التي يصحبها فيها وجوده الكامل هي أجمل ما في تلك الحياة في عينيها البراقتين. ولمثل هذه الصباحات تحيا، وعلى مثل تلك الصباحات تعيش.

الثلاثاء، 3 فبراير 2015

عن الكتابة


تكتب؟ 
غصب عني أكتب. 
غصب عني 
غصب عني أكتب

 الكتابة فعل لا ينتهي طالما يدخل النفس في جسد الكاتب ويخرج منه. فالكاتب لا يكف عن نسج القصص القصيرة في عقله، سواء اختار لها نهاية، أو ظل حائرا كيف ينهيها. ويستمر في سطر الرواية التي يعرف نهايتها جيدا ويرسم حيوات شخصياتها بفكره. ورغم أن فعل الكتابة هو فعل مستمر في الزمن، فإن الزمن أحيانا يضني على الكتاب بوقته، فتبقى كثير من المحاولات الابداعية مجرد محاولات. فالكتابة لا ترضي بأقل من أن يكون فعلها تاما لا ناقصا. وفعلها لا يتم إلا بتدوين النص. 

 وتتجمع وحوش محاولات الكاتب الفاشلة في تدوين النصوص كوحوش سوداء لا يرى منها إلا عيون تلمع في الظلام لتنقض عليه - لا لتأكله - بل لتوقع به فريسة لفعل الكتابة. ويجد الكاتب نفسه أمام تلك الرغبة الملحة في تدوين كل ما ألفه، وكل ما نسيه، وكل ما أسقطه من حساباته الكتابية. يجد الكاتب نفسه مأخوذا رغما عن أنفه وجسده كاملا عن كل شيء عداها. ويجلس أمام آلته الكاتبة، أو حاسوبه، أو ورقته وقلمه، يجلس أمام أدواته أيا كانت ويسكب نفسه جملا وسطورا. وحينها تحتفل الكتابة بغوايتها، وينتصر النص المدون على الموت.

كراكوف التي لا أعرفها



رأيت فيما يرى الرائي الليلة أنني في مدينة كراكوف أمشي في شوارعها برفقة "أجنيشكا"، والتي يعني اسمها "النقية" إذا ما ترجمناه من البولندية إلى العربية، وهي صديقتي التي تسكن هذه المدينة منذ مجيئها للحياة. لم تكن كراكوف في الحلم كما كنت تخيلتها في عقلي، ولم تكن تشبه الصور التي رأيتها من قبل، ولا تمط بأي صلة للمدينة التي وصفتها لي "أجا" العام الماضي عندما كانت كليتنا تتشاركان في قص القصص عن المدن، والأماكن، والترحال. 

 أنظر لصديقتي وأراها تنظر بدورها للآثار بنية اللون المتبقية من معالم كراكوف، وهي تبتسم في حنين إلى ماض بعيد، وتتوجه بنظرها إلى باب خشبي ضخم ممتد إلى السماء بلا نهاية وعلى جانبه الأيمن شباك كبير لم يكن في نية من بنو الباب أن يضعوه هناك. يبدو وكأنه شباك نتج صدفة عن مرور قذيفة ما بين ألواح الباب الخشبية. وعلى جانبه الأيسر فتحات ضخمة غير منتظمة الشكل والحجم تدل على أن ما تبقى من الباب اليوم شهد عملية اعتداء - ليس فقط على أسوار المدينة وبواباتها_ بل امتد ليشمل بناياتها وشوارعها ومحالها. 

 كراكوف التي كنت أراها في صور من سافروا إليها، وفي الصورالتي أخذها لها أهلها ومحبيها، وفي اللقطات الكلامية التي ترجمها عقلي إلى لقطات مرئية، كانت تستمع بحمام شمس ذهبية سمحت لشوارعها بألا تخلو من زهرة تباع الشمس. بنيت حوائطها طوبة فوق طوبة على الطراز المعماري القديم، ولا تخلو شوارعها من تفاصيل الأحجار المرصوصة جنبا إلى جنب حتى يمكنك أن تشعر بالفواصل الرفيعة بين كل حجر والآخر أثناء مشيك عليه. 

أما كراكوف التي رأيتها في منامي ليست إلا مدينة متشحة بالسواد، كئيبة، ومدمرة كأنها خرجت من حرب لتوها - أو خرج منها المحاربون لتوهم-، مظلمة ومعتمة لا شمس تزورها، شوراعها خالية من المارة وكأنهم قد قتلوا جميعا أثر الرصاص أو الرعب، نوافذ بيوتها رغم تسلل الرصاصات خلال ضلفها الخشبية والزجاجية لازالت مغلقة تخفي وراءها جثث أصحاب المنازل، ونصف بناياتها تناثر إلى جانب تراب شوارعها، شوارعها المكسية أرضياتها بالتراب والرمال، والنصف الآخر المتبق مكانه من بناياتها لا يصلح لشيء إلا للرثاء.


- هل هذه هي كراكوف؟! ألسنا في مدينة أخرى يا أجا؟

 قالت مكابرة:  بالطبع نحن في كراكوف. هذه هي كراكوف.

- ولكن هذه ليست كراكوف التي رأيتها في الصور! ليست هي ما تخيلته!

قالت وهي تبتعد: ربما ما رأيتها أنت مدينة مختلفة، ولكنك لا تتذكرين جيدا.

- كيف؟! أنت كنت معي! كنا نراها في الصور معا! كنت تحكين لي عنها! أنت تعرفين أن هذه ليست كراكوف. 


لم تجبني أجا، ولم تقل لي شيئا. فقط سبقتني ببضعة خطوات وهي تنظر تجاه الباب الخشبي المتهدم، لكنها كانت تنظر إلى مكان ما وحدها هي تعرفه.ورأيت أنا في نظراتها الخسارة والحسرة. رأيت في عينيها كراكوف الضائعة. 


السبت، 1 نوفمبر 2014

أن تضيع من تعول!



 ياللحظ العسر الذي ابتلي به الإنسان الذي فقد أبويه! يتخبط في الحياة فلا يعرف كيف يتصرف في المواقف المختلفة، ولا ماذا يقول في المناسبات المختلفة، ولا ما هو التوقيت المناسب للخطوات والأشياء. يتمنى لو أن له أبوان يوجهانه ويعلمانه أشياء تعينه على الحياة. ولكن ماذا كان لو أنهما لا يزالا موجودين، ولكنهما كالحاضر الغائب؟! أندهش من الشاب الذين لا يزال والداه على قيد الحياة، لكنه هائم على وجهه، ضال بحاجة للإرشاد، أعمى بحاجة للتنوير. أليس من المفترض أن يرشده أبوه إلى الصواب؟ وأن تزيل أمه عن عينيه الغطاء؟ أليس الجزء الأهم من التربية هو التوجيه الحاني إلى الصواب؟! كم هم أنانيون الأباء والأمهات اللذين يبخلون على أبنائهم بنصائحهم وبتوجيهاتهم، فيجعلون منه إنسانا مشوه إجتماعيا، لا يدري كيف يتصرف على، أو يجعلون منه أضحوكة نتيجة غياب مفهوميته. الأباء أنانيون مرتين. مرة لأنهم بخلوا على أبنائهم بالمعرفة التي يمتلكونها في رؤوسهم، استلواحا منهم لتوفير ما في جيوبهم، أو ليريحوا أدمغتهم من المناقشات والحوارات، ومرة ثانية عندما يبخلون بجهدهم ووقتهم في أن يكونوا أفضل ما يكونون كأشخاص، وهذا بالطبع يتضمن التثقيف الإجتماعي الذاتي، والوعي الذي يكتسبه الفرد بنفسه من المواقف التي تمر عليه لينقل ما يتعلمه إلى أبنائه. سأعرض بعض المواقف التي ترتبط في ذهني ارتباطا مباشرة بتقصير الآباء في تربية ابنائهم على الصعيدين التوجيهي والمادي.

تصدمني أشياء كثيرة تتعلق بالسلوكيات الشاذة لبعض البشر، فمثلا تصدمني المرأة التي تفتح باب شقتها مرتدية قميص نوم! تحكي لي صديقة إنها كانت في زيارة مع أبيها لأحد أصدقائه، ورغم أنها كانت تبلغ من العمر ثماني سنوات فقط إلا أن إداركها ساقها إلى أن ما رأته به خطأ ما. ذهبت ووقفت صديقتي بجوار أبيها الذي قرع جرس الباب ليجد زوجة صديقة تفتحه مرتدية قميص نوم، وتلف رأسها بمنشفة توحي بأنها أنهت استحمامها للتو، ووقفت ذات القميص الأحمر أمام أبيها بمنتهى البجاحة التي يتناسب معها المثل الشعبي "اللي اختشوا فعلا ماتوا!". لم يكن صديق أبيها موجودا بالمنزل، فنزلا بعد أن أخبرتهم بأنه جائه مشوار مفاجيء.  هذه المرأة لها ولدان صغيران كانا يقفا بجوارها، لكنها تخون النعمة التي منحت. وبعد أن حكت لي صديقتي قصتها، أدهشني رد فعل أبيها أيضا! فإذا كنت تتعامل مع ذات القميص الأحمر، احترم ذاتك وغادر عتبة الباب فورا! لماذا تحكي وتتحاكى وتطيل في الكلام إن كنت تتدعي أنك – عذرا صديقتي – رجلا محترما؟! 

يدهشني ويستفزني الرجل الذي لا يعرف كيف يعامل امرأته. هذا الرجل نشأ في بيت رأى فيه أبوه يتطاول لفظيا، وأحيانا جسديا على أمه، فترسخ في ذهنه أن العادي هو أن يهين الرجل المرأه بالكلام أو بالاعتداء الجسدي. والداه ظلما أنفسهما بالاستمرار في التصرف ببربرية، وظلما ابنهما بتشويه شكل العلاقة السوية بين الرجل والمرأة، إلى جانب تشويه ثقته بنفسه كرجل. فيفهم مما يراه أنه ليكون رجلا لابد أن يسب ويشتم، تماما كالمراهق الذي يريد أن يثبت للمجتمع قبل نفسه أنه رجلا فلا تغادر السيجارة فمه. يظل هذا الولد صاحب الثقة المهتزة مراهقا يجد في ضرب النساء رجولة لفترة كبيرة قد تطول لتبلغ عمره كله. 

أندهش من المرأة التي تقبل أن تركب سيارة رجل غريب عنها بدعوى أنه  زميل عمل . إما أنها لم تجد أما تعرف جيدا التصرف الصحيح للبنت عندما يعرض عليها الرجل هذا العرض فتعلمه لابنتها، أو أن أمها تفهم لكنها تريح رأسها فلا تكلف نفسها عناء التوجيه، أو أن البنت نفسها مرت عليها نصيحة أمها، لكنها تميل بطبعها إلى السلوك الشاذ –وهذا غالبا ينتج عن خلل ما في عملية التربية. المرأة المحترمة بالطبع لن تقبل أن تركب مع زميل عمل سيارته لأي سبب كان. هذا إن كنت في حيرة من أمرك ولا تعرف كيف ينبغي أن تتصرف البنت! 

 يصدمني الأب الذي يبخل بماله على ابنائه! فيتركهم يعانون الأمرين بدلا من أن يعينهم على مصاعب الحياة. يكنز المال ويدعي الفقر، ولا يقوم بدوره في إعالتهم. لماذا يعمل إذا مادام يمنع عن ابنائه المساعده المادية؟ لي صديقة اضطرت إلى العمل 18 ساعة يوميا لتستطيع أن تسدد مصاريف تعليمها، مع العلم بأن الأب يستطيع ماديا أن يمنع عنها المشقة، لكن الأسهل عنده أن يقطع إصبعا من يده ولا يصرف جنيها. وكم شابا احتاج إلى أبيه ليساعده ماديا في زواجه، لكن كل ما وجده من أبيه الخذلان! فلم يتبق له إلا نفسه وعمله، رغم أن أبيه لازال على قيد الحياة لكنه غير مؤهل لتحمل مسئولية الأبوة.

  يا أباء وأمهات المستقبل أنفقوا من جهدكم في أن تكونوا اليوم أحسن ما يمكنكم، وأنفقوا من انتباهكم وأموالهم على ابنائكم. أنفسكم وأبنائكم هم الاستثمار الحق. المال يفقد، ويسرق، ويخسر، أما أنفسكم وأبنائكم هم كل ما تملكون حقا. وتذكروا "كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول".

الجمعة، 19 سبتمبر 2014

خاطب؟ آه! بتعمل الاتيكيت؟ لأ!!



 نظرا لشكاوى الكثيرات من معشر البنات من سلوك الباشاوات المتعلق ببعض الاجتماعيات، ورغم حبهن الشديد لرجالهن إلا أن تصرفاتهم أحيانا تثير جنونهن، ولأن الكثير من الرجال يتصرفون في معظم الأحوال مثل العيال - لا مؤاخذة القافية حكمت - قررنا كتابة قائمة بالتصرفات اللائقة في الاجتماعيات الخانقة، وبالسلوكيات المتوقعة دون طلب البنت لها أو الكلكعة. يعتبر الناس عناصر القائمة التالية من الإتيكيت، لكن في واقع الأمر يعتبرها المعظم من الأصول يا كتاكيت.
 
 1. الأعياد لوجه الله!
لا يدرك الرجال عادة أهمية الأعياد بالنسبة للفتيات. ولذلك ألفت نظرك عزيزي الشاب إلى أن العيد ليس فقط مناسبة تذهب فيها البنات إلى الكوافيرات ليصبح بعضهن مثل الكائنات الفضائيات! إنما العيد احتفال كبير تتجمع فيه الأسر والعائلات. وبما إن حضرتك قد قررت خطبة بنت الناس، فلا مفر من أن تكون فرد من أفراد عائلتها وناسها.

وتنقسم الأعياد إلى عدة أقسام:
أ. التواجد
 مهما كان حجم شغلك وارتباطاتك المهمة منها والتافهة، لا مفر من أن تزور بنت الناس يوم وقفة العيد، أو أول أيام العيد على أقصى تقدير. ولو سألتني ما الأفضل سأقول أول أيام العيد طبعا! لكننا نأخذ ظروفك بعين الاعتبار. فقد تكون تعمل في كول سنتر وستكون مضطرا للذهاب إلى العمل! تذكر دائما أن التوقيت الأفضل للزيارة هو يوم الوقفة أو أول أيام العيد، وليس أي يوم أخر، بمعنى أنك إذا زرتها في ثالث أو رابع أيام العيد فأنت توصل لها ولأهلها رسالة بعدم التقدير والاهتمام. وأظن أنك لن تود أن تضع نفسك في موقف كهذا!

ب. الحضور
هل هناك فرق بين التواجد والحضور؟ نعم! يجب أن تظهر نفسك في مناسبة كهذه، وأن تنتهز الفرصة للحضور بين العائلة بأن تضع بصمتك الخاصة! لك أن تتخيل كيف ستجعل خطيبتك فخورة بك عندما تغادر ويخبرها أهلها أن حضورك كان مميزا! أو أنهم سعداء بانضمامك لهم! أو أنهم يتمنون لو أنك جلست بينهم مدة أطول! إذا أردت أن توقعها في حبك أكثر، أجعلها تفخر بك وسط ناسها.

جـ. العيدية
لا مفر يا بطل! قيمة العيدية متروكة لك بالطبع! لكن بأي حال هناك حد لا يمكن أن تقل عنه. كلك نظر يعني! ما يهمني هنا هو طريقة تقديم العيدية. بالتأكيد لن تأخذ العيدية النقدية من جيبك وستضعها في يد خطيبتك! الأفضل دائما أن تقدمها في ظرف ملون كان أو سادة، ولا تنسى أن تكتب عليه عبارة رقيقة تعبر فيها عن حبك لها مرفقة بالتاريخ.

د. ملابس العيد
ما يثير حنق البنات هو أن رجالهن يغضبن مثلا إذا تأخرن بدعوى أنهم مسؤولات منهم، ولا يشتروا لهن ملابس العيد لأنهما لم يتزوجا بعد، ولأنها لا تزال في بيت أبيها، وبالتالي هو ليس مسئولا عن كسوة العيد! وفي ذلك أقول إذا أخذتك الجرأة لتعتبر نفسك "رجلها" فلتكن رجلها في كل الأمور، وليس في الأمور البعيدة عن جيبك فقط! إذا اعتبرتها مسئولة منك، فعليك أن تشتري لها ملابس العيد!  إذا هربت من شراء ملابس العيد، فلتترك الأمر كاملا - زي الشاطر- لأبيها حتى تتزوجها يا شاطر!

هـ. فسحة العيد
لا تتخذ - عزيزي الشاب - عملك حجة للهروب من فسحة العيد. وتذكر أن هناك عيدان فقط في السنة! إن لم تبذل قصارى جهدك لقضاء يوم من العيد الكبير ويوم من العيد الصغير مع خطيبتك الآن فمتى إذا؟ عندما تتزوجان وتكونان محتاسان بالعيلين؟! 
وفسحة العيد يمكن أن تعني قضاء اليوم معها في بيتها، أو الذهاب إلى أحد المطاعم. ومن الأفضل ألا تمشيان في الشارع لفترات طويلة، ومن الأحسن تجنب السنيمات والملاهي، لأنه كما تعرف العيد بيئة خصبة للتحرشات وأنت لا تريد أن تجعله عيد نكد عليك وعليها!

2. رمضان جانا!
يغفل الكثير من الشباب هذه المناسبات وما يجب فعله فيها. ولا ينتبهون أن شهر رمضان يأتي مرة واحدة فقط في العام. ولا ينتبهون لحقيقة أن له طقوس خاصة متبعة.

خطوة أ: يبادر الرجل بالاتصال بوالد البنت ويطلب الزيارة للتهنئة برمضان، وذلك بوقت كاف قبل أول أيام رمضان. وليكن 5 أيام. وغالبا ما تقع الزيارة قبل أول أيام رمضان بثلاثة أيام أو يومين .

خطوة ب: يمكن للشاب أن يذهب للتهنئة وحده، لكن من الأفضل دائما أن يذهب الوالد أو الوالدة مع ابنهم للتهنئة  .

خطوة جـ: من المتعارف عليه أن يحضر الخطيب لخطيبته فانوس، وأن يحضر جزء من طعام رمضان الخاص مثل البلح وقمر الدين والكنافة إلى البيت. لن أحدد الكمية. فهي أيضا متروكة لك! المهم هو أن لا يأتي موسم مثل شهر رمضان ولا تذهب لزيارة خطيبتك بالفانوس وبأي شيء من طعام رمضان الخاص !

خطوة د: ردا على هذه الزيارة يدعو أهل البنت الخطيب للفطور في أحد أيام الأسبوع الأول من رمضان إذا جاء مهنئا وحده. وأن يدعو أهلها الخطيب وأهله للفطور إذا لم يجيء مهنئا وحده برمضان.


3. سياسة تحديد المواعيد
يستشيط الرجال غضبا عندما تطلب منهم نسائهن أن يحددن مواعيد الزيارة قبلها بوقت كاف. وعلى الشباب أن يفهموا أنهم يزورون بيتا به على الأقل ثلاثة أشخاص. وأن الثلاثة أشخاص لا يعرفون ما تفكر فيه أنت، ولا يعرفون عن خططك لزيارتهم لرؤية خطيبتك، أو حتى للاتفاق مع والدها. ولتجنب التعقيد والكلكعة لما لا تبادر بالاتصال لتحديد الموعد المناسب منسقا مع جميع أطراف الموقف قبلها بأسبوع أو خمسة أيام؟ لماذا تنتظر وتتصل بيوم واحد قبل الموعد الذي حددته أنت وحدك داخل رأسك ولا يعلم أحد عنه؟ لتحديد المواعيد سياسة هي الاتفاق بين جميع الأطراف. وليس تنفيذ ما تريده أنت في الوقت الذي تريده أنت وإلا بلا! ومن سياسة تحديد المواعيد أيضا المرونة. ولذلك  من الأفضل أن تضع أكثر من خيار عند تحديد المواعيد. يمكن أن تقول يناسبني ليل السبت والثلاثاء بسبب ظروف عملي. هل يناسبك أي من الميعادين خلال الأسبوع القادم؟ 
تذكر : سياسة تحديد المواعيد تتطلب اتفاق ومرونة



4. لا تنس أن تشتري لنفسك! 
 إذا تطلب موقف اجتماعي ما أن تعزم خطيبتك وأهلها على أي شيء بدءا بشيكولاتة أو حتى وجبة عشاء لا تنس أن تطلب لنفسك أيضا مثلهم تماما. ما لا يعرفه بعض الرجال هو أن النساء تعتبر الرجل الذي يعزم الآخرين - حتى وإن كانوا هي وأهلها- ولا يأكل هو أو يشرب مما طلب لهم هو رجلا بخيلا! 

وحتى لو أبدى أحد الحضور رغبة في عدم الأكل أو الشرب في اللحظة الحالية، لا تسقطه من حسابات عزومتك! بل يجب أن تشتري له ما يفضل، وأن تطلب منه أخذها معه وأكلها أو شربها وقت ما يريد.

القاعدة تقول إذا طلبت فلتطلب للكل، ولا تنس أن تشتري لنفسك!


5. لا تشتكيها لأمك، بل اشتكيها لأمها! 
 إذا كنت من الرجال الذين يحبون التبرم والشكوى فلا تشتك خطيبتك لأمك! فأمك لن تنس قط ما انتقدتها بشأنه، ولن تنسى الصفات الحمقاء التي وصفتها بها عندما كنت غاضبا منها. وعندما تكونان قاب قوسين أو أدنى من الصلح ستظل أمك تذكرك بأن خطيبتك هي الشيطان بعينه، وأنك لتوك قلت عنها كذا وكذا. 
أما إذا اشتكيتها لأمها، حتما ستدافع عنها بعض الوقت، لكنها ستقدر أنك كبرت بها ولجأت إليها هي، وستكون المدافع الأول عنك مع الوقت. وقد تجيء أحيانا على ابنتها لأجل خاطرك! 



6. تذكرها بهدية!
 يغفل الكثير من الرجال أن النساء يعشقن الهدايا. بالنسبة للنساء، الهدايا تجدد الحب وتعيد إليه شبابه، وتعيد إليها أيام البدايات عندما كان يهتم خطيبها بتقديم الهدايا لها ليحببها فيه. وتقديم الهدايا بعد مرور وقت عليهما معا بالنسبة للبنات يعني أن الرجل لا زال يريد أن يوقعها في حبه آلاف المرات، وليس مرة واحدة فقط. تذكرها بورد، بشيكولاته، بعطر، بخاتم، بحقيبة، أو بدفتر. صحيح أن عملك وشغلك دليل على حبك لها، لكن الهدايا لغة خاصة لمخاطبة البنات من الأفضل أن تتقنها!

تذكرها بهدية، وتذكرعندما تقدم لها الهدية أن تقدم لها شيئا تحبه هي، وليس أي هدية وحسب! عليك أن تبقى عينيك مفتوحتان دائما. عندما تعرف انها تحب فيلما ما، لما لا تشتري لها الرواية التي أخذ عنها الفيلم؟ أو عندما تعرف أنها تحب نوع موسيقى معين، لما لا تبتاع لكما تذكرتان لفرقتها المفضلة؟ أو سي دي لموسيقاها المحببه؟ عندما تقدم لها هدية تكسب نقطة، ولكنك عندما تقدم لها هدية تحبها هي تكسب أنت ضعف النقاط وتجعلها هدية لا تنسى ما حييتما. 


إن شاء الرحمن 
يتبع،