مصدر الصورة
بماذا تشعر عندما تسمع كلمة "تحرش"؟ هل تشعر بالغثيان؟ أم تشعر بالخوف؟ أم بالضحك؟ أم لا تشعر بشيء على الإطلاق؟ هل تتذكر كيف بدأت حكايته في مجتمعنا اللطيف؟ وكيف كان لا يجرؤ إنسان على تسميته بإسمه؟ ثم أصبح المصطلح يستخدم في إتار مقنن، وبنبرة صوت خافتة. كان الجميع يعلم أن ما يحدث هو أمر غير طبيعي، وغير مألوف وشاذ، لكن ما كان يجرؤ أحد على رفع صوته عن حد الهمس بها على أي حال. حتى زاد معدل حوادث التحرش عن حد تصديق العقل له، وزادت بشاعة الفعل عن تحمل الجهاز العصبي لمن هم لايزالون أسوياء، وزاد معه معدل حوادث الإغتصاب في شوارع المحروسة، وتعالت معه الأصوات، واتجهت ليس فقط نحو تسمية الأشياء بمسمياتها، ولكن نحو مواجهة المجتمع كله بحقيقة أن تلك الحوادث قد تحدث قريبة من أي فرد من أفراد هذا الكيان المجتمعي، وقد تحدث لهذا الفرد نفسه الذي يظن نفسه بمنأى عنها. وبالمناسبة قد تحدث لكِ أنتِ، ولكَ أنتَ أيضا. لا تزال المواجهة – على طول مدتها - قائمة. ورغم تقبل البعض هذه الحقيقة إلا أن الكثيرين لا يزالون يعتقدون أن الخطأ دائما خطأ البنت. هي دائما الملامة. وإذا سألتهم عن سبب هذه الحوادث سيجيبون بمليء فيهم "ملابس البنت هي السبب". النقاب لم يعد يحمي. الحجاب لم يعد كافيا. النفوس العفنة تفعل فعلتها حتى مع البنات ذوات الخمس سنوات. على العامة أن يدركوا هذا جيدا.
بماذا تشعر عندما تسمع كلمة "تحرش"؟ هل تشعر بالغثيان؟ أم تشعر بالخوف؟ أم بالضحك؟ أم لا تشعر بشيء على الإطلاق؟ هل تتذكر كيف بدأت حكايته في مجتمعنا اللطيف؟ وكيف كان لا يجرؤ إنسان على تسميته بإسمه؟ ثم أصبح المصطلح يستخدم في إتار مقنن، وبنبرة صوت خافتة. كان الجميع يعلم أن ما يحدث هو أمر غير طبيعي، وغير مألوف وشاذ، لكن ما كان يجرؤ أحد على رفع صوته عن حد الهمس بها على أي حال. حتى زاد معدل حوادث التحرش عن حد تصديق العقل له، وزادت بشاعة الفعل عن تحمل الجهاز العصبي لمن هم لايزالون أسوياء، وزاد معه معدل حوادث الإغتصاب في شوارع المحروسة، وتعالت معه الأصوات، واتجهت ليس فقط نحو تسمية الأشياء بمسمياتها، ولكن نحو مواجهة المجتمع كله بحقيقة أن تلك الحوادث قد تحدث قريبة من أي فرد من أفراد هذا الكيان المجتمعي، وقد تحدث لهذا الفرد نفسه الذي يظن نفسه بمنأى عنها. وبالمناسبة قد تحدث لكِ أنتِ، ولكَ أنتَ أيضا. لا تزال المواجهة – على طول مدتها - قائمة. ورغم تقبل البعض هذه الحقيقة إلا أن الكثيرين لا يزالون يعتقدون أن الخطأ دائما خطأ البنت. هي دائما الملامة. وإذا سألتهم عن سبب هذه الحوادث سيجيبون بمليء فيهم "ملابس البنت هي السبب". النقاب لم يعد يحمي. الحجاب لم يعد كافيا. النفوس العفنة تفعل فعلتها حتى مع البنات ذوات الخمس سنوات. على العامة أن يدركوا هذا جيدا.
يقول المثل "كلمتين أبرك من عشرة".
والكلمتان هما أن عقول العامة تفعل من ملابس البنت شماعة تعلق عليها خيبتهم. وتلوم
عليها لأن ملابسها قد لا تشبه ملابسهم، وقد لا تشبه الملابس التي يتخيلون أنها
تعمل كدرع حصين ضد المضايقات. ومن المضحك المبكي أن البنت التي يلومونها قد ترتدي ملابسا مثل ملابس أولئك اللذين يلومونها تماما، لكن عقولهم لا تستطيع أن تفهم، وعيونهم لا تستطيع أن ترى. الحل
الأسهل للعامة دائما هو أخذ اللوم من فوق ظهورهم وإلقائه بعيدا عنهم، وغالبا ما يتم قذف الضحية به حتى
يريحوا هم ضمائرهم من الإحساس بالذنب، ويرحيون أفقهم الضيق من التفكير. أيها المجتمع النائم هووه لابد أن تدرك أنه ويل لمجتمع يسمح لرجاله بإهانة بناته بشتى الطرق. وويل لكم إن لم تفتحوا
أعينكم لتعرفوا أن للتحرش عشرات الصور.
عندما تركب التاكسي – وأعتقد أنك ستعتزل ركوب
التاكسي وستركب قدميك بعد غلاء أسعار البنزين - تسمع أصوات المذيعين منبعثة من
الراديو معلقة على 5 حالات التحرش التي حدثت في يوم واحد. وتستنكر أنت وسائق
التاكسي أن يحدث 5 حوادث تحرش في يوم واحد فقط ، وتشعر بأن هناك شيء ما خطأ، ليس
الخطأ بالنسبة لك هو حدوث الأمر من الأساس، ولكن هو أن يحدث بتلك الكثافة. والصواب – من وجهة نظرك المتواضعة - هو أن يحدث
ما بين حالة إلى حالتين فقط يوميا. هذا هو الطبيعي. هذا هو المعدل الذي يستطيع جهازك العصبي تحمل سماع وقوع حدوثه في
اليوم نفسه. أما 5 حالات! يإلهي! ياللبشاعة! وكأن الحالة الواحدة لا تستحق أن تنفق
عليها بعض من دمك البارد. ينهي سائق التاكسي الذي تزين الدبلة يده
اليسرى حديثه معك عن التحرش بـ"الله يستر على ولايانا"، وهي عبارة اعتاد ترديدها في مثل هذه الأخبارالتحرشية المنبعثة أخبارها من الراديو عبر أصوات مذيعين لا أعرف ما إذا كانوا هم أنفسهم يتأثرون بها أم لا. وأثناء ما يدعو السائق للشباب الطائش بالهداية، وللبنات بالستر، يتابع بنظرات
عينيه جسد سيدة تعبر الطريق أمامه ويحرك رأسه قليلا ويرسل نظراته ورائها. يحدث هذا الموقف اليومي معك ومع سائق التاكسي إذا كنت تنتمي للجنس الخشن. أما
إذا شاركته أنت النظرات إلى أجساد السيدات العابرات للطرقات فأعلم أنك تنتمي مثله للجنس النتن.
أما إذا
كنتِ تنتمين إلى الجنس الناعم وفي الموقف نفسه فسيبدء سائق التاكسي بالتعليق على
ما قاله المذيع. وسيسألك ما إذا كان الإعلام يبالغ في طرح الظاهرة. وسيدفعه فضوله
إلى الإطالة في الحديث عن التحرش ليستفزك ولتحكي له عما تعانيه أنتِ شخصيا. وسواء إذا بحتِ أو ما بحتِ فسيلقي السائق نظرة
على وجهك في مرأته التي تعكس
صورتك وأنت جالسه على الكرسي الخلفي، وسينزل بنظره قليلا ليخطف نظرة من صدرك
ليقيمك إذا ما كنتِ تستحقين التحرش بكِ أم أنكِ لست مستفزة كفاية لشهوة أمثاله. وإذا
بحتِ أو لمحتِ لما يحدث معكِ فسيحكي لكِ عن ابنته التي لم تتعرض لهذا الشيء أبدا،
وعن أخته التي لم يحدث معها هذا قط واليعاذ بالله. ما أحمقه! ليس لأن بنتك وزوجتك لا تحكيان لكَ عم يتعرضن له كل يوم في الأسبوع، كل أسبوع في الشهر، كل شهر في السنة، فهذا لا يعني أنه لا يحدث يا غبي! ولكنك تكتمين غضبك، وتبتلعين كلماتك حتى لا تسمعين وصلة المجتمع المصري المفضلة عن مفهومه للاحترام الذي يقاس بطول ملابسك، والذي يحميكِ كأنثى أنتِ مضطرة للعيش بين جنباته من أي سوء. وسيدعو لكِ في نهاية حديثه طبعا بستر العرض
وبالزوج الصالح، لكن الدعوات التي يرددها لسانه لن تمنعه من أن يتبع مؤخرتك بنظرة بعد أن تنزلي من التاكسي حتى تغيبين وسط
الزحام عن رصاصات عينيه، ويتركك هو ونظراته مع الاسئلة التي تطل من رأسك ، وأهم تلك الأسئلة: أيها سائق
التاكسي، هل تعرف أن ما تفعله تحرش؟
لا يهتز المجتمع بالكامل إلا عندما يفيق على
أنباء حادثة اغتصاب. وليته عندما يهتز يفعل شيئا فعالا. كل ما يفعله عندما يفيق هو
التعبير عن استيائه بكلمات فيسبوكية لمدة لا تطيل عن يومين أو ثلاثة وينتهي الأمر
ويصبح نسيا منسيا. أما عما يظنونه حوادث أقل شأنا، فلا تعليق. وعلى المجتمع أن يفهم أن النظرة والكلمة لا تترك خدوشها فقط
في نفس البنت، لكنها على مدى السنوات التي تكبر فيها هذا البنت تحتل الخدوش مساحات أكبر
لتصبح جزء متأصلا من تكوينها النفسي كإنسانة عضوة في هذا المجتمع. ويظل كرهها
لجسدها يكبر معها حتى يتضخم. وإذا كرهت البنت جسدها فلن يجني المجتمع إلا الكره. ويتسائل الرجال عن سبب حدة طباع هذه البنت، أو خفوت
رقتها، أو لجوئها للعنف أحيانا. يا كل
رجل يدور بخلده هذه الأسئلة فلتنظر إلى المرآه. نظراتك وكلماتك هي السبب.بدلا أن تحميها أنتَ تسببت لها بانعدام الأمان فاضطرت لأن تضع
نفسها وراء درع واقي لتحاول أن تحمي بنفسها الجزء النفسي السليم المتبقي لها. ولا تتعرض البنت في مجتمعنا إلى الأذى اللفظي و الجنسي من المتحرش فقط، لكنها تتعرض أيضا وبنسبة كبيرة إلى الأذى اللفظي والجسدي بالضرب من الأب أو الزوج إذا قررت أن تبوح. حتى الجانب الذي من المفترض به أن يكون المتعهد بالحماية يساهم بجدارة ليس في كره البنت لجسدها وحسب ولكن في كره كونها على قيد الحياة من الأساس. هذه البنت ستصبح أم غدا. وسؤالي هو: هل تعلم أن ما يحدث للبنت الصغيرة يوميا يؤثر على جيل آت؟ كم مشرقا سيكون مستقبل هذا المجتمع!